fبسم الله الرحمن الرحيم
االسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
من واقع خبرتي الطويلة بالتدريس الجامعي ـ بصفة عامة ـ والطب بصفة خاصة استطيع القول بأن التعليم الجامعي في مصر حاليا يعاني من حالة انهيار كامل لاينكره إلا مكابر أو جاهل, وحيث ان المقام لايتسع للخوض في تفاصيل هذا الأمر المهم فسوف أكتفي بذكر واحدة من أسوأ مظاهر عملية التقييم ـ الامتحانات ـ في الجامعات المصرية وهي ظاهرة درجات الرأفة, وهذه الدرجات لمن لايعلمون تعطي للطالب الذي اجتاز بنجاح الامتحان التحريري, ولكنه يحتاج إلي عدة درجات لكي يصل المجموع النهائي للمادة لدرجة النجاح60% ولمن لايعلم ايضا أوضح ان نسبة النجاح في التحريري هي30% ومعني ذلك انني أسمح لطالب الطب مثلا ان يحصل علي البكالوريوس ويمارس مهنته كطبيب وهو لم يحصل إلا علي30% فقط من درجة الامتحان التحريري فهل هذا معقول؟
ولكي تزداد الصورة قتامة فإنني بكل أسف أؤكد ان بعض طلاب الطب يحصلون بالكاد علي درجة النجاح في الامتحان التحريري30% ثم نراهم يحصلون علي الدرجات النهائية في كل الامتحانات الشفهية والعملية, والاكلينيكية وقد يحصل بعضهم بذلك علي فرصة لايستحقها للتعيين في هيئة التدريس بالكلية.
وقد حاولت بكل ما أوتيت من جهود وطاقة ان أحجم هذه الظواهر المؤسفة في اثناء عملي وكيلا لطب القاهرة لشئون التعليم والطلاب, ونجحت في رفع الحد الادني للنجاح في الاختبار التحريري إلي40% وكان هدفي الوصول إلي50% علي الاقل, ولكني لم استطع اقناع زملائي في لجنة شئون التعليم والطلاب بالجامعة في ذلك الوقت! كما اصدرت مجموعة من القرارات والتعليمات الخاصة بالامتحانات في محاولة للحد من هذه الظواهر المؤسفة.. ولكني فشلت في اقناع زملائي من وكلاء كليات جامعة القاهرة بإلغاء درجات الرأفة التي لامثيل لها في كل كليات العالم المتحضر.. فهذه الرأفة تعني بوضوح ان هناك فريقين من اساتذة الجامعات.. فريق يرحم الطلاب, ويرأف بحالهم وفريق آخر يتعمد ازاء البعض والنيل منهم!! واذا كان هذا الأمر في بعض الأحيان حقيقيا وواقعيا فإنه يعود إلي القصور الشديد في الإدارة الجامعية علي كل المستويات اذ لاتوجد ضوابط واضحة للامتحانات, ولاتوجد رقابة من اي نوع علي طريق الامتحانات, والتسيب والإهمال والواسطة والمجاملات بل ان التغير الطائفي احيانا يميز امتحاناتنا الجامعية!
انني أعلم تماما ان الغاء درجات الرأفة لن يصلح التعليم الجامعي, ولذلك انادي ببدء عملية اصلاح شاملة تعيد للتعليم الجامعي هيبته, واحترامه وللامتحانات صدقها, ونزاهتها, والخطوة الأولي علي هذا الطريق تبدأ بحسن اختيار القيادات الجامعية علي كل المستويات, وارجو من بريد الأهرام فتح باب النقاش حول هذه الموضوع المهم امام القيادات الجامعية الواعية, واعضاء هيئة التدريس, والطلاب من أجل تشكيل رأي عام قد يكون البداية الحقيقية لوقف هذا التدهور.
ان مصر لن تتقدم خطوة إلي الامام إلا بإصلاح التعليم, وهو ليس صعبا ولامستحيلا, ولكنه فقط يحتاج إلي إدارة حقيقية, وإدارة واعية, فهل لنا ان نتحرك قبل ان تغرب الشمس؟
د. صلاح الغزالي حرب